منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: الاستفادة من التوجهات العالمية وفتح آفاق النمو

668bb7a7eb37e_Image-banner.jpeg
منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: الاستفادة من التوجهات العالمية وفتح آفاق النمو
المواضيع: مقالة

جوكان سيليك، مدير أول إدارة البحوث ودعم السياسات بوكالة ترويج الاستثمار في قطر

يواصل التحوّل الرقمي، والتغيّرات المناخية، والتحوّلات الديموغرافية إعادة تشكيل ملامح المشهد الاقتصادي العالمي، وتقود منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصةً دول مجلس التعاون الخليجي التصوّر الجديد للاقتصاد العالمي، بفضل تبنيها تنفيذ العديد من المُبادرات الاستراتيجية، وضخها استثمارات ضخمة لتحقيق النمو المُستدام والابتكار.

التوجهات الاقتصادية العالمية

لايزال الاقتصاد العالمي يشهد تقلّبات مستمرة منذ عصر الثورة الصناعية وحتى عصر التحوّل التكنولوجي، وقد كشفت الأحداث التي تندرج تحت نظرية "البجعة السوداء" (المُصطلح الذي يعني وقوع حدث مفاجئ يصعب التنبؤ به ويكون له تأثير كبير) مثل جائحة كورونا، عن القيود التي تعوق النماذج الاقتصادية المُتقدمة، كما أظهرت حاجة صُنّاع السياسات إلى تكيّف سياساتهم مع المشهد الاقتصادي الدائم التغيّر، والعمل بفلسفة هرقليطس القائلة: "توقع ما هو غير متوقع".

Economic Shifts Infographic_Invest Qatar_Arabic

التوجهات العالمية الرئيسية المُؤثرة في صياغة المشهد الاقتصادي والاجتماعي:

  • التحوّلات الديموغرافية: تتسبب التغييرات العالمية المُتسارعة في حدوث ضغوط اجتماعية واقتصادية في بعض الدول، بينما تفتح أسواقًا جديدة وتُبرز فئات استهلاكية جديدة في دول أخرى.
  • االتحوّل الرقمي: أحدثت التقنيات الحديثة ثورة في قطاع المنتجات النهائية ومستلزمات الإنتاج، وأدت إلى تغيير أساليب العمل وخلق مساحات جديدة للابتكار وتعزيز الكفاءة، إذ تشير التوقعات إلى تجاوز حجم الاقتصاد الرقمي العالمي 11 تريليون دولار بحلول عام 2025.
  • التحوّل الأخضر: تكتسب مشاريع الطاقة النظيفة اهتمامًا غير مسبوق لا سيما مع التوقعات بتجاوز حجم السوق العالمي لتقنيات الطاقة النظيفة الرئيسية 650 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030.
  • التفتت الاقتصادي: تُعطي الدول في الوقت الراهن الأولوية للاكتفاء الذاتي بسبب التهديدات الأمنيّة، وتشجيع الابتكار المحلي وتعزيز القُدرة على الصمود لمواجهة انقسام الاقتصاد العالمي.

وعلى الرغم من هذه التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، يُتوقع أن يبلغ حجم الاقتصاد العالمي 200 تريليون دولار قبل عام 2050 وفقًا للنسخة الرابعة من تقرير "بي إم آي ميجاترندس BMI Megatrends"، ومن المرجح أن يُحسن الذكاء الاصطناعي التوليدي الإنتاجية خاصةً في الاقتصادات المتقدمة. وستؤدي صدمات العرض الناتجة عن التفتت الاقتصادي، والظروف المناخية القاسية، وتداعيات الانكماش الناتجة عن استخدام التكنولوجيا إلى حدوث تضخم.

التأثير على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

في خضم هذه التغييرات الهيكلية في الاقتصاد العالمي الجديد، برزت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، كوجهة استثمارية واعدة، حيث أسفرت جهودها لتحقيق التنويع الاقتصادي عن زيادة مطّردة في ناتجها المحلي الإجمالي غير الهيدروكربوني، وقد انعكس ذلك إيجابًا في تعاظم دورها في الاقتصاد العالمي متجاوزًا مكانتها في إمدادات الطاقة.  وبفضل الموقع الاستراتيجي الذي تحتله منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الطرق المؤدية إلى أفريقيا وآسيا وأوروبا، تقوم المنطقة بدور حيوي وهام في حركة التجارة العالمية، حيث تمر 30% من التجارة العالمية عبر البحر الأحمر وخليج عدن 4. علاوةً على ذلك، نجحت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة ضخمة، بلغت 68 مليار دولار في عام 2022 مقارنةً بــ20 مليار دولار في عام 2017. 5

الاتجاهات الديموغرافيّة: أسفرت الاتجاهات السكانيّة مثل ثبات أعداد السكان وزيادة معدلات الشيخوخة عن بعض التحديات، مثل الضغوط على استخدام الموارد، والإجهاد المناخي. وبالرغم من هذه التأثيرات، تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نموًا سكانيًا وبنسبة أكبر في أعداد الشباب.  ووفقًا لتقرير تقديرات السكان العالمي الصادر عن الأمم المتحدة في عام 2022، يتوقع بحلول 2025 أن تكون شريحة السكان في سن العمل (15-64 عامًا) في دول مجلس التعاون الخليجي هي الأعلى (62%) ما يعادل ثلثي عدد السكان، وأن يظل متوسط عمر الشباب أصغر بنسبة 40% مقابل نسبة 34% متوسط العمر العالمي. وسيؤدي ذلك إلى تحقيق عائد ديموغرافي لدول المنطقة، وزيادة الإنتاجية في حال تبنيها استخدام التقنيات المبتكرة بشكل أسرع وأكثر فعالية.

The MENA Regions Advantage Charts_Invest Qatar_Arabic

التقدّم التكنولوجي: تُشير التوقعات إلى هيمنة التقنيات التحويليّة مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وتقنية سلسلة الكتل "بلوك تشين" على عملية خلق القيمة. وتُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصةً دول مجلس التعاون الخليجي، من أوائل الدول التي تبنّت استخدام الرقمنة، وقد تُصبح من المُساهمين في الاقتصاد الرقمي في المستقبل، وذلك نتيجة اتخاذ حكوماتها مبادرات استباقيّة في هذه المجالات، والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية التكنولوجية، وقدرة السكان في استخدام التكنولوجيا.  واستنادًا إلى تقرير تقديرات السكان العالمي الصادر عن الأمم المتحدة في عام 2022، حققت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات الرقميّة في الشرق الأوسط نموًا كبيرًا بنسبة 50% في العقد الماضي مما جذب إليها كبرى الشركات العالمية.8

التحوّل الأخضر: يُعد التحوّل نحو الممارسات المُستدامة توجهًا رئيسيًا في إعادة صياغة الاقتصاد العالمي.  وعلى الرغم من التحديات التي تواجه التحوّل الأخضر، مثل القوانين الصارمة والأصول العالقة، فقد أثمرت الاستثمارات في التقنيات الخضراء عن تحفيز الإنتاج.  يتطلب زيادة نسبة التحوّل الأخضر للاقتصادات من 20% إلى 70% بحلول عام 2050 إحداث تغيير شامل على مستوى القطاعات، والقيام بعمل جماعي واسع النطاق، وإنفاق رأسمالي ضخم.

تحظى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوضع جيد يُمكنها من التكّيف مع الاقتصاد النظيف الجديد، ويُعزى ذلك إلى وفرة رأس المال والتزام دولها بتحقيق التحوّل الأخضر. ومع التوقعات بنمو الاستثمارات السنويّة في مجالات الطاقة النظيفة إلى 326 مليار دولار بحلول عام 2040، تواصل المنطقة التزامها باستخدام تقنيات الطاقة النظيفة لمواجهة مخاوف التغيّر المناخي9، حيث سجلت قدرة الطاقة المُتجددة في الشرق الأوسط في عام 2022 أعلى زيادة على المستوى العالمي، بنسبة بلغت 12.8% على أساس سنوي، وحققت دولة قطر أعلى نسبة زيادة على مستوى دول المنطقة 10.

الأمن العالمي والتجارة: ألقت زيادة التكامل الاقتصادي، والمخاوف والتهديدات الأمنيّة العالمية بظلالها على المشهد الاقتصادي، إذ تتجه قضايا الأمن القومي المتعلقة بالتجارة والجرائم الإلكترونية ومؤشر السلام لتصبح مخاطر عالية. وتؤدي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنطقة دورًا رئيسيًا في تخفيف حدة المخاطر الأمنية العالمية نظرًا لوقوعها على نقاط التفتيش البحرية الرئيسية في العالم، وكذلك توفر مصادر الطاقة فيها. كما تُبرز حركة الحاويات الكثيفة عبر البحر الأحمر، وحركة النقل الجوي المتزايدة، إمكانات المنطقة ومميزاتها لتصبح مركزًا لوجستيًا وتجاريًا رئيسيًا.

التوقعات المستقبليّة

في خضم التوجهات الاقتصادية العالمية الرئيسية، ستكتسب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، مزيدًا من الأهمية الاستراتيجية. إلا أن التعامل مع هذه التوجهات، والاستغلال الأمثل لفوائد تحوّل المشهد الاقتصادي، يتطلب منها التحلي بمستوى عالٍ من الوعي والالتزام الوطني والحوكمة الرشيدة. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تستفيد المنطقة من المميزات الاستراتيجية التي تتمتع بها لدفع عجلة النمو المُستدام، وتحقيق الابتكار في الاقتصاد العالمي.

 

[1] Data flows - ICC - international chamber of commerce (2024) ICC. Available at: https://iccwbo.org/global-insights/digital-economy/data-flows/ (Accessed: 06 May 2024).

[2] Qatar’s emergence as a cleantech industry leader (2024) Invest Qatar. Available at: https://www.invest.qa/en/media-and-events/news-and-articles/qatars-emergence-as-a-cleantech-industry-leader (Accessed: 10 May 2024).

[3] https://www.fitchsolutions.com/bmi/long-reads/special-report/megatrends-presentation

[4] Thomas, J. and Almasi, S. In the Middle East, the route to logistics success is through supply chain ‘density’, PwC. Available at: https://www.strategyand.pwc.com/m1/en/strategic-foresight/sector-strategies/transport-logistics-management/success-through-supply-chain.html (Accessed: 06 May 2024).

[5] The in-depth crossborder investment monitor from the Financial Times, fDi Markets. Available at: https://www.fdimarkets.com/ (Accessed: 10 May 2024)

[6] https://population.un.org/wpp/

[7] https://population.un.org/wpp/

[8] https://www.fdimarkets.com/

[9] https://mc-cd8320d4-36a1-40ac-83cc-3389-cdn-endpoint.azureedge.net/-/media/Files/IRENA/Agency/Publication/2023/Dec/IRENA_Rnewable_energy_markets_GCC_2023.pdf?rev=1da47fd0507747a1b60b852ff9636a1b

[10] https://mc-cd8320d4-36a1-40ac-83cc-3389-cdn-endpoint.azureedge.net/-/media/Files/IRENA/Agency/Publication/2023/Dec/IRENA_Rnewable_energy_markets_GCC_2023.pdf?rev=1da47fd0507747a1b60b852ff9636a1b


تشارك هذه المقالة