استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة لدولة قطر: الطريق نحو المستقبل
06 فبراير 2024
حمد راشد النعيمي، مدير إدارة الاستراتيجية بوكالة ترويج الاستثمار في قطر
في ظل التحولات الاقتصادية وما يشهده العالم من تقدم تكنولوجي، تقف دولة قطر عند منعطف مهم، وتتخذ خطوات استباقية من شأنها تسريع التحول إلى اقتصاد متنوع وقائم على المعرفة. وأطلقت استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة لدولة قطر 2024-2030 التي تركز على دفع هذا التحول الاستراتيجي ليكون بمثابة خارطة طريق توجه البلاد نحو تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030.
ترتكز استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة على سبع نتائج وطنية استراتيجية، بدءً من النمو الاقتصادي المستدام، ووصولا إلى الاستدامة البيئية، لتُبرز التزام دولة قطر بمواصلة مسيرتها التنموية على الرغم من المشهد العالمي المضطرب. ومن خلال إعطاء الأولوية لتنويع القطاعات الاقتصادية الرئيسية وتعزيز بيئة جاذبة للأعمال، تظل البلاد ملتزمة بجذب الاستثمار الأجنبي، ورعاية المواهب الماهرة، وترسيخ مكانتها كمركز عالمي للأعمال.
الأهداف ومجالات التركيز الاستراتيجي
وضعت استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة أهدافًا طموحة، تسعى من خلالها إلى تسريع وتيرة النمو الاقتصادي إلى معدل 4% سنويًا حتى عام 2030، مدفوعًا بالزيادة في إنتاج الغاز وجهود التنويع الاقتصادي. وتركز الاستراتيجية على الابتكار والبحث، مستهدفة حجم إنفاق على البحوث والتطوير بمعدل 1.5% من إجمالي الناتج المحلي، في ظل مساهمة كبيرة من قطاع الأعمال. بالإضافة إلى ذلك، يتمثل الهدف الرئيسي للاستراتيجية في تحسين إنتاجية العمل بمعدل سنوي منشود يبلغ 2%، بما يتماشى مع الرؤية الشاملة بشأن التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة، وتوفير فرص عمل لذوي المهارات العالية.
تنويع اقتصادي مدفوع بخطط استثمار أجنبي طموحة
تجسد الأهداف الطموحة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر بقيمة 100 مليار دولار أمريكي تركيز الدولة الاستراتيجي على تنويع اقتصادها، وتعزيز حضورها الاقتصادي عالميًا، وتحفيز النمو المستدام. وتأتي "قطاعات النمو" في صدارة أولويات هذه الاستراتيجية في ضوء التنمية الاقتصادية المستدامة، مع التركيز على التصنيع والخدمات اللوجستية والسياحة. تلعب هذه القطاعات دورا مهما في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في القطاعات غير النفطية بالدولة، ولكل منها مجموعة من الأهداف المحددة بوضوح. يركز قطاع التصنيع على توسيع المواد الكيميائية والمعادن منخفضة الكربون، بما يتماشى مع توجهات الاستدامة العالمية، بهدف الوصول إلى تصنيف متميّز ضمن أفضل 40 دولة على مؤشر الأداء الصناعي التنافسي. يعمل قطاع الخدمات اللوجستية على تعزيز مكانة قطر كمركز عالمي لسلاسل التوريد من خلال توسيع أنشطة النقل الجوي، وتحسين العمليات بالموانئ، مستفيدة من التقدم التكنولوجي وتطوير العمليات، ومدعومًا بموقع الدولة الجغرافي وبنيتها التحتية. تستهدف هذه الجهود معدل نمو سنوي مركب في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 6.6%، ومعدل نمو سنوي مركب في انتاجية العمل يبلغ 2.4%، والوصول إلى حجم عمليات إعادة التصدير بما يعادل 25 مليار ريال قطري. أما قطاع السياحة فيركز على تطوير سياحة الأعمال، مع الاستفادة أيضًا من الخصائص الفريدة للبلاد التي تمكِّنها أن تصبح وجهة سياحية مفضلة للعائلات، حيث تستهدف قطر جذب 6 ملايين زائر بحلول عام 2030، وزيادة إجمالي الإنفاق داخل الدولة إلى 34 مليار ريال قطري، والوصول إلى 19 مليون ليلة فندقية، وبالتالي تحويل البلاد إلى وجهة رائدة للسفر والزيارة.
تدعم هذه القطاعات الرئيسية "مجموعات التمكين" التي تشمل قطاعات التعليم والخدمات المالية، لتجعل دولة قطر مركزًا للتميّز الأكاديمي والابتكار في تكنولوجيا المال. تلعب هذه القطاعات دورًا حاسمًا في تطوير اقتصاد قائم على المعرفة متقدِّم تكنولوجيًا. ومع نظرة استشرافية نحو المستقبل، ومن المتوقع أن تشهد القطاعات الناشئة، مثل التكنولوجيا الخضراء والصناعات المبتكرة، إمكانات نمو هائلة.
دور وكالة ترويج الاستثمار في دعم استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة
تأسست وكالة ترويج الاستثمار في قطر عام 2019، لتضطلع بمهمة تعزيز مكانة دولة قطر كوجهة مثالية للاستثمار، مع تشجيع الاستثمارات التي تعزز التنمية والتنويع الاقتصادي. يدمج هذا النهج الاستراتيجي الذي تتبعه الوكالة بشأن استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة التركيز على قطاعات محددة، مع الالتزام بالتنمية الاقتصادية الشاملة. توفر هذه الخطة منظومة مترابطة، حيث تُمكِّن القطاعات المختلفة من دعم وتعزيز بعضها البعض، مما يدفع نحو اقتصاد متوازن ومستدام ومرن.
تعمل وكالة ترويج الاستثمار كذلك على تعزيز بيئة الأعمال في البلاد، وتسهيل إجراءات الاستثمار، وتوفير خدمات متنوعة للمستثمرين، وتهيئة بيئة مواتية للأعمال تسهم في تعزيز النمو والابتكار. من شأن هذه الجهود أن تقوم بدور محوري في تحقيق غاية الوصول إلى تصنيف متميّز بين العشرة الأوائل من حيث بيئات الأعمال، وتلبية أهداف الاستثمار الأجنبي المباشر، وتسهيل الاندماج السلس للاستثمارات الأجنبية في النسيج الاقتصادي لدولة قطر.
التركيز على الاستثمارات المستدامة والخضراء
تركز وكالة ترويج الاستثمار بشكل خاص على الاستثمارات الخضراء والمستدامة، بما يعكس التزام دولة قطر نحو الاستدامة البيئية، وهدفها المتمثل في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 25% بحلول عام 2030. فقد تمكنت دولة قطر من توفير بيئة جاذبة للاستثمارات الخضراء والزرقاء، وبرزت كنقطة اتصال للمشاريع المتوافقة مع الحوكمة البيئية والاجتماعية، حيث تعتزم الدولة طرح أكثر من 75 مليار دولار في شكل فرص للاستثمار المستدام بحلول عام 2030. تتوافق هذه الرؤية الاستراتيجية مع التحول العالمي نحو الاستدامة وتستقطب جيل جديد من المستثمرين الذين يعطون الأولوية لممارسات الأعمال المستدامة وصديقة البيئة. كما تساهم وكالة ترويج الاستثمار بشكل فعَّال في هذا التوجه المستدام من خلال جذب المستثمرين المهتمين بالاستدامة، وتزويدهم بالحلول الاستثمارية، وإمكانية الوصول إلى الحوافز الحكومية، وتسهيل الاتصال بالجهات المعنية ذات العلاقة، بما يضمن توجيه استثماراتهم نحو الفرص المستدامة التي تتماشى مع المبادرات الخضراء، وتدعم كذلك الربحية على المدى الطويل.
نحو مستقبل مزدهر
تجسد استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، التي تتميّز بمجالات تركيز واضحة وتنطوي على أهداف طموحة للاستثمار الأجنبي المباشر، المبادرات والعمل الدؤوب لتعزيز بيئة استثمار حيوية. ويعتبر هذا الالتزام محوريًا، ليس فقط لتحقيق هذه الأهداف، ولكن أيضًا لتشكيل مستقبل قطر الاقتصادي. وباعتبارها مشاركًا فاعلاً في رحلة التحول هذه، فإن وكالة ترويج الاستثمار متحمسة للغاية وحريصة على المساهمة في مساعي البلاد نحو اقتصاد مستدام ومتنوع. ويتيح إطلاق استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة فرصًا مذهلة لإعادة تعريف المشهد الاقتصادي في الدولة، ويضعها في مكانة تؤهلها لمواجهة التحديات وكذلك الفرص بالقرن الحادي والعشرين. Bottom of Form