إمكانات قطر التنافسية في صناعة الأدوية العالمية
10 يوليو 2023
من المتوقع أن تشهد الصناعة الدوائية في قطر نموًا ملحوظًا في الأعوام المقبلة، مدفوعًا بتوسع الطبقة الوسطى، وارتفاع معدل الشيخوخة بين سكان العالم. ويوفر هذا القطاع فرصًا مجزية للمستثمرين والجهات المعنية في جميع أنحاء العالم جراء التوقعات بنمو سوق الأدوية بنسبة 165.2% بين عامي 2020 و2030. وقد شهدت صناعة الأدوية طفرة خلال الحقبة التي أعقبت جائحة كوفيد-19، وظهر ذلك جليًا في العدد القياسي لصفقات الأدوية الحيوية، والاستثمارات الكبيرة في أنظمة الرعاية الصحية. وقد حظي هذا التوجه بالاهتمام في منطقة الشرق الأوسط، وخاصةً في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تُشكّل صناعة الأدوية مرحلة جديدةً لها.
أما على الصعيد العالمي، فتسير سوق الأدوية في مسار تصاعدي، وذلك وفقًا لدراسة قطاعية حديثة أجرتها وكالة ترويج الاستثمار في قطر، حيث شهد عام 2020 قفزة كبيرة في عدد الأدوية الحيوية ، بزيادة ملحوظة بلغت 107%، مقارنةً بعام 2018، كما سجل الإنفاق على البحث والتطوير ارتفاعًا كبيرًا ، وصل إلى 189 مليار دولار في 2020. ويشير هذا النمو المتوقع إلى التوسع المطرد في الصناعة الدوائية في أعقاب الجائحة، والاستثمارات الكبيرة في أنظمة الرعاية الصحية في العالم. وبحلول عام 2025، يتوقع أن يصل سوق الأدوية إلى 2,051 مليار دولار، بزيادة قدرها 70% عن 2020. وعلى نحو مماثل، فقد أشارت التوقعات السابقة إلى ارتفاع مبيعات الأدوية بنسبة 32% ابتداءً من عام 2020 لتصل إلى 181,1 مليار دولار بحلول عام 2024.
وسرعان ما أصبحت منطقة الشرق الأوسط مُحركًا رئيسيًا لهذا النمو المتوقع، ويُعزى ذلك لاستفادة المنطقة من التحسن الذي طرأ على إمكانية الوصول إلى الأدوية، والتوقعات الإيجابية للتنمية الاقتصادية، مما يجعلها سوقًا جاذبة للاستثمارات في مجال صناعة الأدوية. وقد سجل إجمالي الإنفاق في سوق صحة المستهلك في دول مجلس التعاون الخليجي ارتفاعًا كبيرًا ليصل إلى 9 مليارات دولار بسبب تركيز هذه الدول على مجالات الرعاية الصحية، وسهولة الوصول إلى الخدمات الرقمية الشخصية.
هناك عدة عوامل الرئيسية تزيد الطلب على الصناعة الدوائية، أبرزها: ارتفاع نسبة الشيخوخة، وزيادة انتشار الأمراض المزمنة، والأمراض المرتبطة بالإجهاد والأوبئة. وبالتزامن مع ذلك، توفر العوامل المُحفزة المرتبطة بالعرض مثل الطب التخصصي، وانتهاء صلاحية براءات الاختراع، والأدوية العامة التي لا تحمل اسمًا تجاريًا، والأدوية التي لا يستلزم صرفها وصفات طبية، فرصًا إضافية لنمو هذا القطاع.
المعالم الرئيسية لسوق الأدوية في منطقة الشرق الأوسط:
* زيادة الطبقة الوسطى: من المتوقع أن يصل عدد المنتمين إلى الطبقة الوسطى في العالم إلى 5.3 مليار شخصًا بحلول عام 2030.
* نمو سوق الأدوية التي لا تحمّل اسمًا تجاريًا: بلغ حجم سوق الأدوية التي لا تحمّل اسمًا تجاريًا 390.6 مليار دولار في عام 2020، ويتوقع وصول حجمها إلى 574.6 مليار دولار بحلول عام 2030.
* ارتفاع أسعار الأدوية: ارتفعت نسبة أسعار الأدوية التي تُصرف بموجب وصفات طبية إلى 35% منذ عام 2014.
* نمو الطب الشخصي: من المتوقع أن يصل حجم سوق الطب الشخصي إلى 796.8 مليار دولار بحلول 2028، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.2% حتى 2028.
في خضم هذا المشهد، تبرز دولة قطر كوجهة جاذبة للمستثمرين الأجانب في هذا القطاع، لما توفره من مناخ أعمال تنافسي، وبنية تحتية طبية شاملة، واستثمارات كبيرة في عمليات البحث والتطوير. وانسجامًا مع التزامها بتوفير خدمات عالمية المستوى، فإن دولة دولة قطر تُعد الأكثر انفاقًا على الرعاية الصحية للفرد الواحد في دول مجلس التعاون الخليجي بـ1,827 دولار.
مشهد الصناعات الدوائية بعد جائحة كوفيد-19
شكَّلت جائحة كوفيد-19 تحديات كبيرة أمام أنظمة الرعاية الصحية في العالم، شمل ذلك الصناعة الدوائية، بيدّ أن دولة قطر أظهرت مرونة فائقة وقدرة ملحوظة على التعامل مع الجائحة وعلى التكيّف مع ظروف خروج العالم تدريجيًا من هذه الأزمة غير المسبوقة. وعلى الرغم من الآثار المستمرة للجائحة، تستمر أنظمة الدعم الراسخة العمل في قطر، لتجذب الاستثمارات في مجال الصناعة الدوائية، وتدفع عجلة التقدّم في هذه الصناعة.
وتُعد الاستراتيجية الوطنية للصحة 2018-2022 من العوامل الرئيسية لنجاح قطر في هذا المجال، فقد هيأت بيئة مواتية استثنائية لشركات الأدوية. وتركز هذه الاستراتيجية على تطوير خدمات الرعاية الصحية، وتشجيع انخراط القطاع الخاص في تقديمها، مدعومةً بالتزام الحكومة بالزيادة المستمرة في الإنفاق الصحي، والإنفاق على خدمات الرعاية الصحية الخاصة. علاوةً على ذلك، أدت سلاسة شبكات التوزيع، وسهولة الحصول على خدمات الرعاية الصحية إلى زيادة الطلب في السوق، وضمان توفر الأدوية الأساسية. وتساهم مؤسسات مثل: كلية الصيدلة بجامعة قطر، والمُبادرات التي تُطرح على غرار برنامج التدريب على البحوث الطبية الحيوية، على نحو كبير في دعم القدرات العلمية والبحثية للدولة، مما يُعزز الابتكار في قطاع الأدوية. بالإضافة إلى ذلك، تعمل مؤسسات تعليمية مرموقة منها كلية وايل كورنيل للطب - قطر، على تعزيز البحوث الصحية والدوائية، مما يُرسخ مكانة قطر في هذه الصناعة.
ويتوقع أن تحتفظ قطر بمركزها القوي في صناعة الأدوية العالمية مع انتقال العالم إلى حقبة ما بعد الجائحة. وبفضل استعدادها للتعامل مع المتغيرات، وبنيتها التحتية، وخبراتها المعرفية الداعمة، تُصنف قطر ضمن أفضل ثلاثة دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيما يتعلق بمنشآتها الصحية، وستسمر في المضي قدمًا في تقديم إسهاماتها الكبيرة في مجال الرعاية الصحية.